الأحد، 28 يوليو 2013

غير لزز , غير لزز

أنا لا سلطوي ليس لأنّني الثّوري الأخير و ولد قحبة على جميع  الثوّار ، و لا أعتبر نفسي منتميا لأقصى اليسار أو
l'ultragauche
مثلما يحلو للبعض تسميته و أكره هذه التّسمية الأخيرة أيّما كره و هي تزعجني أيّما إزعاج فكلمة أقصى تدلّ على زيادة الجرعة في الثّوريّة و أغراضها نرجسيّة و ادّعائيّة في غالب الأحيان ، أقصى الثوريّة بالنّسبة لي هي الثورجيّة ، لا أكثر و لا أقلّ 
أنا لا سلطوي لأنّني أؤمن أنّ الأودبيّة الفكريّة و السياسيّة و التربويّة تقوم بعمليّة إخصاء لعقولنا و مشاعرنا و تجعلنا في نوع من التبعيّة للدّيماغوجيا الفكريّة و العاطفيّة ، أنا لا سلطوي لأنّني لا أخجل من أفكاري و تساؤلاتي مهما بدت ساذجة و لأنّني لا أؤمن سوى بعقلي وحده القادر على تحرّري الفعلي و النّزيه في علاقتي الشفّافة و الخالية من أيّ وساطة بأفكاري أو أوهامي على حدّ سواء 

أنا لا سلطوي لأنّني أؤمن أنّ التنظيمات الهرميّة من أحزاب و مؤسّسات تعليميّة وتربويّة و أسريّة و دينيّة و فكريّة تقمع إبداعي الخاصّ و تعمّق إحساسي بالذّنب فقط لأنّني موجود و ذلك لتصفية حساباتها النّفسيّة و الماديّة الخاصّة عن طريقي 
أنا لا سلطوي لأنّني لا أؤمن أنّ الإقتصاد هو مركز الحياة و لا أؤمن أنّ الصّراع الطّبقي هو الصّراع الوحيد الموجود على ساحة الحياة مثلما يؤمن بذلك معظم الماركسيّين بل أؤمن أيضا بالصّراع الفكري و بالرّؤى الفلسفيّة و الأخلاقيّة التّي يمكن أن تنير عقول البشر هذا بالإضافة إلى أنّ نظريّة الصّراع الطّبقي التي تجعل ممّا يسمّى بروليتاريا الخير المطلق و البرجوازيّة الشرّ المطلق هي نظريّة سطحيّة تتغافل عن الانتهازيّة الكبرى التّي توجد في صفوف بعض الطّبقات المهمّشة و الفقيرة كما تتغافل عن الفاشيّة المتفشيّة في هذه البؤر و التّي ليس سببها الفقر فقط و إنّما أيضا كثير من العوامل النّفسيّة و الحضاريّة و الثقافية و الإجتماعيّة و الدّينيّة إلخ 

أنا لا سلطوي لأنّني لا أؤمن بالإنتاجيّة اللّا متناهية الّتي سوف تحقّق الرّفاهيّة الجماعيّة في المجتمع الشّيوعي مثلما يذهب إلى ذلك معظم الماركسيّين و لا أؤمن بما يسمّى التّنمية المستديمة و لكنّي أؤمن بالحدود الإيكولوجيّة لهذا الكوكب و أؤمن أنّ الإستغلال الفاحش و الفوضوي لخيراته من أرض صالحة للزّراعة و ماء و حيوانات و مواد أوّليّة و جبال و بحار و هضاب إلخ سوف يؤدّي إلى الخراب و استزاف هذه الخيرات جميعها و هو ما بصدد الحدوث الآن ( الكثير من الإحصائيّات في العالم التيّ تخصّ النقص الفادح للأراضي الصالحة و المياه و تلوّث الجوّ و البحر إلخ)

أنا لا سلطوي لأنّي أؤمن بالطّبيعة و الإنسان و أؤمن أنّهما منبعا الجمال و الإبداع و الحبّ و أنّ الحروب باسم الرأسماليّة أو الشيوعيّة أو القوميّة أو الدّين لا تقوم سوى بتدميرهما على حدّ سواء بهستيريا و غباء فادحين 
أنا لا سلطوي لأنّني أؤمن أنّ العمل المأجور مهما تحسّنت ظروفه هو حمل ثقيل على الإنسان لأنّه يجعله يبع نفسه من أجل حقّه المشروع في الحياة فيما الأجدر أن يكون العمل جزأ من وجوده و تحقيقا لكيانه و غاية في حدّ ذاتها 

أنا لا سلطوي لأنّني لا أؤمن أنّ الدّيمقراطيّة هي عمليّة تحدث بالوكالة في صناديق الإقتراع و التّي تمكّن البترونات السياسيّة و الأوليغارشيا العالميّة من اللّعب بمستقبلنا و من الثّراء الفاحش و بسط النّفوذ باسم الشّرعيّة الانتخابيّة دون أن يكترثوا طبعا لمشاكلنا و همومنا المباشرة و اليوميّة أمام امتيازاتهم و انتهازيّتهم و تغوّلهم السّلطوي 

انا لا سلطوي لأنّني أؤمن بأنّ الدّيمقراطيّة هي بالاساس قاعديّة و مباشرة و تنبع من الأسفل عبر تسيير ذاتي وفق محليّات يتمّ التنظّم داخلها بطرق تحدّدها اجتماعات عامّة تشاركيّة تفرز شكلا تنظيميّا للحياة اليوميّة للمواطنين و هو أمر ممكن جدّا 

أنا لا سلطوي لأنّني لا أؤمن أن السياسة هي حقل اختصاص لا يفهم فيه سوى النّخبة بل هو حقل عام يهتمّ بالشّان العام و الحياة اليوميّة و من البديهي و الضّروري أن يشارك فيه جميع المواطنين مهما بلغ مستوى جهلهم الإفتراضي 

أنا لا سلطوي لأنّي أؤمن أنّ الإنسان عفويّ ذكيّ بالفطرة و فضولي و مبدع و لا يشوّهه سوى المؤّسّسات الهرميّة و الجامدة و الاستغلاليّة و القمعيّة و الإخصائيّة بإداراتها و معاهدها و كتبها الّتي غالبا ما تحاول إقناعه بالبقاء داخل هذه السّجون و تعلّمه الغباء و الدّفاع المتذاكي عن هذا الغباء بأسنانه و أظافره 

أنا لا سلطوي لأنّني أؤمن بالعفويّة و لكنّني أؤمن أيضا و على سواء بالفنّ و العرق و الجهد الإستيتيقي من أجل هذا الفنّ ( حتّى و إن كنّا نعيش داخل أعتى الفاشيّات) كما أؤمن بالإطّلاع الإجباري على الفلسفات النيّرة قديمها و حديثها و التّي من شانها إنارتنا و نفض البهامة" العالقة في أذهاننا كما أمقت العنجهيّة و الإكتفاء الذّاتي باسم العفويّة "

أنا لا سلطوي و أسعى إلى الدّفاع عن قناعاتي و أفكاري فردا كنت أو مجموعة كما أسعى إلى تطويرها دائما و مساءلتها و نحتها قدر الإمكان 

أنا لا سلطوي و لا أنتمي إلى أقصى اليسار و أمقت هذا التّقسيم الخشبي و الكلاسيكي ، لا أدّعي الثوريّة ليلا نهارا و لا أدّعي امتلاك الحقيقة و لا الوصاية كما أمقت التشدّق بالثّوريّة ، أكره الخطاب اللّا سلطوي الخشبي و الذّي باطنه سلطة قمعيّة و ابتزازيّة و مشعرة بالذّنب أشرس و أعمق من الدّولة في حدّ ذاتها و أؤمن أنّه بإمكاني التعلّم من الأطفال مثلما الشّيوخ مثلما المتحزّبين مثلما المهمّشين ، لست مغلقا و لا أخاف على عذريّتي لأنّها مفضوضة أصلا بليالي السّهر و الصّياح في الشّوارع و النّقاشات و الخصامات و التشرّد و التمزّق و الشكّ و المكر و ضرب الرّأس على الحيطان ، 

أنا لا سلطوي و أكره ذلك اللّمعان الأحمق و النّرجسيّة الحمقاء المكتفية بذاتها في عيون الثورجيّين ممّن تحصّلوا على شهاداتهم النّهائيّة في الجامعات الثّوريّة العالميّة للسّنوبيزم و التّظاهر و التّقوحيب و النّجوميّة الثّوريّة 

أنا لا سلطوي و لا أدّعي تبنّي قضايا الفقراء و المهمّشين و لا البطولة في الدّفاع عنهم و إنقاذهم من الوحش الرّأسمالي و الحزبي لأنّني بكلّ بساطة أنتمي لهؤلاء الفقراء و لا أريد من أحد أن ينقذني أو يتبنّى قضيّتي ،( القضايا لا يقع تبنّيها ، فهي إمّا موجودة في الأعماق أم لا ) و هؤلاء الفقراء لا ينتظرون أحدا من أجل تبنّي قضاياهم أو سرقة فقرهم و ثورتهم عليه 
أنا لا سلطوي بكوارتي ، أدافع عن عقلي بكامل وجداني و وجودي

أنا لا سلطوي و أكره أن أقول إنّني لا سلطوي فذلك يفهم غالبا على أساس أنّه انتماء سياسي مغلق و الأمر أعمق من ذلك بكثير ، غير لزز ، ياسر لزز 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق