الأربعاء، 1 فبراير 2012

مجرّد تكريز


السّؤال هو الآتي : هل أنّ الأعراف و "القيم" الاجتماعيّة السّائدة تبلغ من القوّة و الرّسوخ ما يجعلها قادرة على محو الفارق - على مستوى السّلوك -  بين من هو مؤمن بها  و متماه معها و نسمّيه مجازا "العامي" و بين من يدّعي نقدها بغية تغييرها و نسمّيه مجازا  "المثقّف" ؟  يحتدّ هذا السّؤال في ذهني كلّما لاحظت ، داخل الأوساط الثّقافيّة  تحديدا ، تفاقم ذلك الشّرخ الصّارخ  بين الأفكار المدّعى تبنّيها و السلوك الفعلي و كأنّ المثقّف هو شخص "نخبويّ" الفكر "عاميّ" السّلوك  ، فالمطالبة بالعدالة الاجتماعيّة مثلا في النّصوص أو الاجتماعات  يقابله في الواقع تمجيد لصاحب رأس المال و احتقار لفاقده  ، انتقاد النّظام السّلطوي   يقابله رغبة جامحة في نفس هذه السّلطة ، الحديث عن المساواة بين الجنسين يقابله ميزوجينيا كريهة و مفاخرة بالذّكورة و المغامرات الجنسيّة و نعت النّساء المتحرّرات جنسيّا بأحقر النّعوت ، التّنديد بالعنصريّة و التّمييز يقابله تصنيف للنّاس وفق الجهات الّتي ينتمون إليها ، الدّفاع  عن الغيريّة والاختلاف يقابله نرجسيّة  و تضخّم مريب للذّات ، المناداة بالحوار و التّلاقح الفكري يقابله عنف و نزق يبلغان حدّ السّاديّة ، انتقاد النّمطيّة و القوالب الجاهزة  يقابله الحكم المسبّق ..إلخ.. ممّا يجعلك تشكّ فعلا في أنّ هؤلاء الّذين يدّعون الانتماء إلى  قيم مغايرة  لتلك السّائدة هم في الحقيقة إمّا يبحثون عن نوع من المفاخرة بهذه الأفكار "السّاحرة" و "المغرية"  و المتاجرة بها داخل "السّوق" الثّقافيّة من أجل الحصول على  سلطة معنويّة وبرستيج  وشبكة علاقات  و إمّا  "يحسدون" أصحاب النّفوذ و السّلطة و يسعون إلى  الحصول على حصّتهم داخل نفس النّظام   و بالتّالي يعيدون إنتاجه  ككرة الثّلج  ...هل هو المخيال البشري الحامل  لقيم و رؤى إنسانيّة نبيلة عاجز أمام واقع معقّد و فجّ   أم أنّ الحياة  بطبيعتها ليست سوى صراع من أجل البقاء مهما غُلّف ذلك بالثّقافة أو الفلسفة أو الاديولوجيا أو حتّى الفنّ ؟؟  أم هو شيء آخر ذلك الّذي يجعل من كلّ الّذين يقاومون هذه السكيزوفرينيا الاجتماعيّة  أوّل المعزولين و المهمّشين و الغرباء ؟؟؟؟  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق