الأربعاء، 28 أغسطس 2013

الملحدون

هو بصراحة ، الدّيانات عامّة لديها إجابة سحريّة للمعضلة الوجوديّة للإنسان ، يعني ، ثمّة حياة أخرى بعد الموت و إن أنتَ عملت صالحا ، أصبحت من الخالدين في الجنّة ... و لكنْ ليست هذه هي المشكلة

المشكلة هي كيف يمكن أن نواصل الاعتقاد في ذلك بعد الثّورات الكبرى التّي هزّت الإنسانيّة أقصد الثّورة الكوبرنيكيّة مع كوبرنيك و البيولوجيّة مع دروين و النّفسيّة مع فرويد ، إنّ مواصلة الإعتقاد في هكذا ديانات بعد هذه الثّورات المعرفيّة هي من قبيل الصّمم المعرفي

فقد أصبح من البديهي أنّ الأرض ليست موكز الكون ء مثلما تذهب لذلك جلّ الدّيانات ء بل هي بمقدار ذرّة صغيرة داخل الكون الفسيح و اللّا متناهي ، كما أنّ الإنسان ليس كائنا ساميا نفخ اللّه فيه من روحه بل هو كائن بسيط و محدود و له تشابه جينيّ كبير مع بقيّة الكائنات الأخرى قردة كانوا أو ديكة أو دروزوفيل ( هذا مع العلم أنّ الإنسان الحجري ،الذّي يعتقد في وجوده ء و ياللغرابة ء معظم المؤمنين الّذين أعرفهم، لا يتوافق بتاتا مع أسطورة آدم و وحوّاء اللّا تاريخيّة) ، و أخيرا الإنسان ليس وحدة ذهنيّة و نفسيّة متجانسة بل داخله تكمن مجرّة بأكملها تُسمّى اللّا وعي و التّي هي غالبا ما تفاجؤه بمنطقها الخاصّ و تجلّيها الخاصّ

إذن يا سادتي المؤمنين ( اللّي في بالي) ، الملحدون هم مؤمنون بات إيمانهم مستحيلا بعد كلّ هذه الهزّات المعرفيّة التّي بدّدت التّفسير السحريّ لحياتهم عن طريق الدّين و وضعتهم في العراء ،
،وجها لوجه مع وجودهم

الملحدون يا أعزّائي المؤمنين هم ناس محكوم عليهم أن يحملوا وجودهم بين أيديهم مسؤولين عليه تماما دون إنكار أو تخفٍّ أو لفّ و دوران مع ذواتهم ، و الملحدون هم ناس محكوم عليهم بالشّجاعة في تقبّل فنائهم و بالجَلَد في تجاوز جروحهم النرجسيّة و بالصّلابة في التخلّي عن الإعتقاد في مركزيّة الانسان المزعومة ...

و محكوم عليهم أن يجدوا سعادتهم هنا فوق هذه الأرض و ليس بين النّجوم و السّماوات ، و محكوم عليهم أن يجدوا معنى لحياتهم يرضي ضمائرهم و محكوم عليهم بإبداع قيمهم و أخلاقهم و مسؤوليّتهم تجاهها و محكوم عليهم أن يعثروا على الجمال و الحبّ بعد أن يحفروا في الوجود بأضافرهم و أسنانهم خارج أيّ سند ميتافيزيقي أو وراثة أسطوريّة

و الملحدون لهم طقوسهم الرّوحيّة في تأمّلاتهم و عشقهم و تماهيهم مع كلّ هذه الموجودات المدهشة داخل الكون الغريب و السريّ ،

الملحدون هم ناس شجعان و جريئون و مسؤولون يواجهون الخوف بقلوب عارية و يواجهون الأقدار بعقول من فولاذ 
الملحدون يا أعزّائي المؤمنين ( اللّي في بالي) لا يخالفونكم لمجرّد أن يختلفوا عنكم مثلما يذهب إلى ذلك الكثيرون منكم بسطحيّة و ابتذال و رداءة ، بل هم قد واجهوا امتحانا شاقّا مع ذواتهم ، قناعاتهم محكوكة فعلا على محكّات معرفيّة و حياتيّة قاسية و مدمية ، إلحادهم ليس ترفا و تمثيلا من أجل أن يتمايزوا عنكم أنتم مثلما تعتقد الأغلبيّة فيكم بما أنّ غباءها و تفاهتها و سطحيّتها تجعلها لا تكفّ و لو لحظة واحدة في الإعتقاد أنّها مركز الكون الّذي يدور حولها كلّ شيء 


فارحموا هؤلاء الملحدين يا أعزّائي المؤمنين ( اللّي في بالي) ، و وفّروا نصائحكم و عطفكم ، فهم الذّين من المفترض أن يثشفقوا على جبنكم و سطحيّتكم و هروبكم من أنفسكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق