السبت، 29 ديسمبر 2012

زال السّحر

زال السّحر , كلّ شيء يهدأ الآن : لا صخب في الذّكريات , لا قُبل في الهواء , لا عيون في الأشجار , لا آذان في الجدران , لا خدوش في الجلد
, لا شفاه على البلّور , لا توسّل أو بكاء أو ابتزاز , كلّ شيء يهدأ الآن فالرّيح تستعدّ لكنس الهباء

الخميس، 27 ديسمبر 2012

شخص آخر

كان يعاملها على أساس أنّها شخص آخر و ليس هي ذاتها ، و هي تعامله على أساس أنّه شخص آخر و ليس هو ذاته ، لم يكونا اثنين ، كانا أربعة ، أربعة شخصيّات تتقاطع ، تتماهى أو تتراقص ، أربعة شخصيّات تدور حول السرّ ، حول الخطإ ،حول الضلالة ، هذه الضّلالة عينها هي الّتي كانت تحمل الشاعريّة و الغموض و الجاذبيّة ... يوما ما رحل الشّخصان الآخران ، و بقيا اثنين فقط ، اثنين باهتين ، عاريين كالبلّور ،اتّضحت الهشاشة و بدأ الانكسار ، فيما الشّخصان الآخران كان يستعدّان للنّوم داخل القصيدة

ما كان ليحصل

ما كان ذلك ليحصل لو أنّك لمحت شبحي الرّاقص وراءك فيما أنت تحدّقين باستغراب في جسدي الحزين الواجم كالمومياء ، ما كان ليحصل لو أنّك سمعت وشوشة الذّكريات البسيطة و هي تطرق طرقا خفيفا على بابك الصّاخب ، ما كان ليحصل لو أنّك رتّبت على جناحيْ العنقاء الخجولة الحاطّة على كتفي ، ما كان ليحصل لو أنّك شممت رائحة المجاز العابقة في غرفتي ، ماكان ليحصل لو أنّك وصلت الغامض بالغامض دون تبعثرك السّريع ، ما كان ليحصل لو أنّك أحسست بالنّار السريّة الصّاعدة من بين أصابعي ، ما كان ليحصل لو أنّك لمحت الهواجس المحلّقة مثل أخيلة الفراش فوق مخدّتي، ما كان ليحصل لو أنّك عبرت بخفّة منّي إلى آخَري

الخميس، 20 ديسمبر 2012

دار الشّهيد


الكلّ ينتقد نائبة المجلس التّأسيسي صاحبة اقتراح "دار الشّهيد " ، و لكن من وجهة نظر سطحيّة و هو أنّ الشّهداء لا يمكن أن يعودوا إلى الحياة كي يقيموا اجتماعات داخله ، ذلك أمر بديهي و مفروغ منه و الأكيد أنّها تقصد المعنى المجازي و هو أنّ دار الشّهيد ستكون مكانا رمزيّا لذكرى الشّهداء ، و لكنّ النّقد حسب رأيي عليه أن يتّجه لمفهوم الشّهادة في حدّ ذاته ، أين يعتبرها اليمين كما اليسار ذروة الشّرف و البطولة ، فيما الشّهيد هو بالأساس مواطن مقتول حُرم من حقّه المدنّي في الحياة و ارتُكبت في حقّه العامّ جريمة يجب أن يُحاسب عليها المجرم .... اليمين كما اليسار يريدون جدّا موت الشّهيد بل و الحصول على المزيد من الشّهداء كي يمدحوهم ، كي يتخاصموا من أجل امتلاك رمزيّتهم كسلطة

الأحد، 9 ديسمبر 2012

الدّنيا العمياء

المطر لا يرى المشرّدين في الشّوارع ، و القمح لا يرى الزّاحفين على الأرض جوعا ، و القطن لا يرى العراة على الأرصفة ، و الموت لا يرى دموع الأهل و الأمّهات ، و الله لا يرى اليائسين و هم يمدّون رؤوسهم إلى المشنقة ، كم أنت عمياء أيّتها الدّنيا

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

عندما أكون عاشقا

عندما أكون عاشقا ، أكون بقوّة فيل ، بخيال من يتعاطى المخدّرات ، بحساسيّة مراهقة بكر ، بشاعريّة رامبو ، بيقظة بونابارت ، بأهبة جانكيز خان ، برغبة امتلاك جون باتيست قرونوي ، بذهول حيّ بن يقضان ، بعنفوان تارزون ، ببراءة كوالا ، بمكر معاوية بن أبي سفيان ، بسذاجة جحا ، بهوس دون كيشوت ، بحنان أمّي ،بكاريزما هتلر ، بصوفيّة الحلّاج ،بعطش مصّاص الدّماء ، بخفّة السّاحر، بطلاقة الشّبح .... آه عندما أكون عاشقا ، آه عندما أكون عاشقا ....
عندما أكون لا عاشقا ، أكون فقط بلون الرّماد

السبت، 20 أكتوبر 2012

الحياة

لم أتعلّم شيئا من الحياة ، لن أتعلّم منها شيئا ، و لا يهمّني أبدا أن أتعلّم أيّ شيء منها ، يا كلّ الأذكياء الّذين يلمع  غباء فضيّ ناصع في أعينهم :  ماذا يمكن لي أن أتعلّم من الحياة أيّها الأوغاد ؟؟؟ هل تشبّهون هذه الحياة الشهيّة الفسيحة المخاتلة .. الغريبة  الأليفة    الواضحة الغامضة   المفرحة  المحزنة الواقعيّة الخياليّة   المدبرة  المقبلة  المجرّدة  الحسيّة العاقلة  المجنونة ،هذه الحياة الممطرة إلى أبد الآبدين ، هل تشبّهونها بمدرج في المدرسة أو الكليّة أين يجلس أستاذ عُصابيّ تماما سمين الذّهن تماما كي  يطلب من طلّابه أن ينزلوا من أعلى المدرج و يكونوا بالتّالي تحت مستوى عينيه اللّامعتين بنفس الغباء الفضيّ  فيعلّمهم الدّرس  ؟؟؟  ،  إلى الجحيم يا كلّ  الجمل  الّتي تبدأ هكذا :"علّمتني الحياة ..."، إلى الجحيم فأنت  تثيرين حقّا قرفي ، أنت و كلّ الّذين ينطقون بك بينما تطفح أرباحهم النرجسيّة النّتنة  حتّى الخروج من آذانهم ، وا أيراه ، كم عليك أن تكون موغلا في العمى كي لا تريْ كلّ تلك النّرجسيّة ، كلّ ذلك العرج ، كلّ ذلك الحقد الرّاسب في الذّاكرة ، الحقد على الحياة نفسها مثل حقد على أب مخبول وقاس يعلّم أحدهم "الدّرس" بالصّفع و الرّكل  ، كي يقول في النّهاية بظفر موغل في النّكوص :" علّمتني الحياة كذا ،  انظروا ، أنا الآن على الطّريق الصّحيحة ، لقد نجحت في فهم اللّغز ، فمتى دوركم ؟؟ " و كأنّ الحياة مفرد ، وكأنّ الطّريق واحدة ، و كأنّ الدّرس هو فعلا درس لك و له ولها و لهم و لنا جميعا داخل هذه "ال" حياة التّي و كأنّها لم يكن من الممكن أن تكون إلّا ما هي عليه داخل ذهن ذلك المفتون بالدّرس ، واحدة مفردة جماعيّة مشتركة حتميّة مكتوبة منذ الأزل في اللّوح المحفوظ...  ؟؟ و ماذا إذن ؟؟ الحكمة ؟؟  شيء  يثير قرفي بالتّوازي ، لا حكمة داخل هذه الحياة البريئة و الماكرة لا حكمة يا سادتي فاتركوا آلهتنا بسلام ،و الله إن كان أحدكم يقول  علّمتني ال حياة كذا  من قبيل تطييب خاطر ماضيه ، أو تطييب خاطر جراحه بتلك الحيل النفسيّة داخل مجرّة تركيبته النّفسيّة المعقّدة ، بتلك الحيل الظاهرة والمكشوفة جدّا دون أن يطلب منك أن تفعل بالمثل فذلك مفهوم ، أمّا أن يطلب منك ضمنيّا  أن تنهل و تستفيد من الدّروس الّتي علّمتها له الحياة هو نفسه و لا أحد غيره و يغضب و يتشنّج و يثور و يجنّ لأنّك تسخر تماما من ذلك الدّرس فذلك فعلا غريب و مضحك و مقرف و مثير للحكاك الجلديّ  ... أغار على الحياة يا نمّي ،  أغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار ، أغار على حياتي أنا، على  حياة الآخرين ، أغار على الاحتمالات ، أغار على الغامض ، على المتناهي فيما يمكن أن يكون ، أغار على النّكرة على "نكرة" ، آه لو أستطيع أن أستعمل كلّ الكلمات في صيغة "ال" نّكرة لولا العوائق اللّغويّة و الوظيفيّة ، يقولون لك بثقة مقرفة : "ال" إنسان ال"حكمة" ، ال" حياة ، كم من ال نّاس كم من "ال حكم" ،كم من ال "حياوات" يوجد على هذه الأرض أيّها الحمقى أيّتها الخنازير النّرجسيّة المقرفة ؟؟ اتركوا سخطي بسلام ، لا حاجة لي للدّرس ، أنا منثور ، متلاش داخل هذه الحياة الواسعة ، لا مشكلة لي مع الماضي بكلّ جراحاته الماضية و لا مع المستقبل بكلّ جراحاته الآتية ،لا أتصرّف من منطق اللّدغ و ستبقى أصابعي دائما ممدودة داخل جحور الأفاعي سواء كان الّذي بداخلها  أفاع أو سلاحف أو أرانب أو علي بابا أو مصباح علاء الدّين ... هي احتمالات هي احتمالات ، أشياء أخرى كان من الممكن أن تكون و أشياء بعينها كان من الممكن ألّا تكون  ،
 فاتركوني ،
 أنا أطلق ظلالي تركض مع الرّيح و أجسادي ترعى مع الأقمار .. لست مغرورا و لا ومتواضعا ، لا متعلّما و لا جاهلا ، فمزّقوا الأوراق من كرّاس الدّرس و امسحوا بها الخراء في مؤخّراتكم و شكرا ، فلا جدارة إلّا للشّعر

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

دحمسيّون أم سلفيون

يعني ، تسمية سلفي هي تسمية رومنسيّة ، أنا أحبّ سقراط و هوميروس و إبيكور و المعرّي و المتنبّي و من هذا المنظور أنا أيضا سلفي ، التّسمية الأنسب هي الظلاميّون ... و لو أنّ الظّلام أيضا فيه شاعريّة ، نسمّيهم الظُّلمويّون من الظلمة أحسن ، بل الأحسن أن نسمّيهم "الدّحمسيّون" من كلمة "دحمس" في العاميّة التّونسيّة أي ماهو شديد الحلكة و العماء

السبت، 4 أغسطس 2012

البتر

فصل الرّجل عن المرأة تجنّبا للزّنى
فصل المرأة عن المرأة و الرّجل عن الرّجل تجنّبا للمثليّة الجنسيّة
فصل جسم المرأة عن الهواء الطّلق تجنّبا للفتنة
فصل اليد عن الجسم تجنّبا للعادة السريّة
فصل العقل عن الفكر تجنّبا للإلحاد
فصل الدّستور عن حقوق الإنسان تجنّبا للميوعة و الفوضى
"فصل الفنّ عن المقدّسات تجنّبا للبراكين و الزّلازل و "سومطرا
فصل كلّ شيء عن كلّ شيء تجنّبا لأيّ شيء
إلّا فصل الدّين عن السّياسة
حدّك غادي
أنا أقترح بتر الأعضاء التناسليّة لجميع المواطنين ثمّ بتر رؤوسهم 
هكّاكا نرتاحو النّاس لكلّ

الخميس، 2 أغسطس 2012

أفكار


ليت 14 جانفي يعود يوما فأخبره بما فعل 23 أكتوبر

أتمنّى حياة أخرى ما بعد الموت ولكن من دون جنّة و لا جحيم ... فقط القليل من الطّعام و النبيذ و السجائر و الكثير من الوقت الفسيح لكتابة الرّوايات ، الرّوايات عن الحياة الماضية

الّذين يُسبقون أسماءهم بصفات مثل "الشاعر" فلان ، "الرّوائي" فلان "الناقد" فلان ، أو الّذين يتصرّفون و يعلّقون على أساس تلك الصفة بنمطيّة و تكلّف و بلادة و صلف و قلّة حياء ، كم أنتم مقرفون



الذّكاء كلمة عادة ما تستعمل في سياق أكاديميّ غبيّ و تافه حيث مرادفها هو القدرة على التّأقلم ، هكذا يكون الذّكاء شبه مرادف للكسل و الاستكانة و الخضوع و "الرّكشة " ، فيما آلسّياق الأجمل هو التمرّد ، هو الفطنة ،هو الحساسيّة، هو قلب الطّاولة على حرّاس القوالب و سجّاني العقول
  
يا كلّ البشر الّذين تحوّلوا إلى أشياء أخرى : من تحوّل إلى تاكسيفون لا وظيفة له سوى ابتلاع النّقود ، من تحوّل إلى آلة حربيّة لا وظيفة لها سوى القتل ، من تحوّل إلى لحية لا وظيفة لها سوى الجهل ، من تحوّل إلى حجارة لا وضيفة لها سوى الصّمت ...يا كلّ هؤلاء إرحلوا عنّا ، دعونا و شأننا

هناك الكثير من النّاس الّذين أريد أن أقول لكلّ واحد منهم على حدة : لماذا أنت رديء إلى هذه الدّرجة ؟؟؟ كيف تمكّنت من أن تكون رديئا إلى هذه الدّرجة ؟؟؟ ماذا فعلت لتصبح رديئا إلى هذه الدّرجة ؟؟؟ أيّ شيء يمكن أن يجعلك رديئا إلى هذه الدّرجة ؟؟؟ أزّحي ، أزحّي

كنت جالسا في بيتي ، و كان هناك شخص يرسم لوحة في ضبّوط القردة ، فجأة أحسست بآلام شديدة في وجهي ، هرعت نحو المرآة و يا هول ما رأيت ، كانت هويّتي مطموسة طمسا ، صفة طمسا ، يا لطيف ، طمسا شديدا جدّآ

في كثير من الاحيان يكون الكلام البذيء دليلا على البراءة و تكون اللّباقة دليلا على الخبث و النّفاق الاجتماعي

أريد أن أدخل في ثلّاجة لبضع سنوات حتّى تنتهي هذه التّجربة الإسلاميّة و يُثار عليها من طرف أنصارها مرّة واحدة و إلى الأبد ، الواحد منّا لا يعيش مرّتين كي يهدر عمره في مجتمع تتناوب عليه الفاشيّات

السبت، 19 مايو 2012

تواضع المثقّف أم استقالة المتلقّي

"أن أفكّر هو أن أقول "لا".. قد تتحوّل هذه "اللّا" فيما بعد إلى نعم ، ولكنّ هذه ال"نّعم" ستكون "نعم" أخرى، "نعم" جذورها "اللّا" .. في البداية إذن: لا ..لا  لإطلاق صفة التّواضع على الأشخاص "المهمّين" الّذين تلتقيهم ، مهما كان شأنهم. لا ..
 إنّها صفة تضعك مباشرة في ميزان تفاضليّ و تفرض عليك علاقة مغلقة سقفها هو إعجابك بهذا الآخر و كأنّك لا تنتظر شيئا سوى ذلك الإحساس السّاذج ب"قيمتك" عن طريقه و كأنّك تتسوّل نرجسيّتك منه أو بوساطته وكأنّك تنتشي باستغراب و شكّ يتراوح بين التّصديق و عدمه مردّدا داخلك :" كيف  لهذا الشّخص رفيع الشّأن ،أن يهتمّ بي أنا قليله ؟ كيف لهذا الشّخص ذي القدر العالي أن يعير اهتماما لهذا الشّخص "الهامشيّ" الّذي هو أنا؟ إنّه من دون شكّ شخص متواضع" ...

 ليست دوافع الرّفض، رفض نعت التّواضع، دوافع  نرجسيّة ،مثلما قد يبدو. على الإطلاق . إنّها دوافع أخلاقيّة ، لأنّ الانفتاح "الندّيّ" على العالم، بما يحتويه من موجودات و أفكار، واجب أخلاقيّ. أقصد الأخلاق في معناها "الوجودي" إن صحّ التّعبير أي أخلاق المسؤوليّة و المساءلة و الجدل و المشاركة . الاحترام؟ طبعا في إطار الاحترام و الحياء. من الآخر؟ مؤكّد ، ولكن ، من الأنا أيضا،  من دون شكّ ، و بنفس المقدار. فالحدود المختارة و الواعية الّتي نرسمها طوعا في علاقتنا بالآخرين  ،شيء ، و العوائق الإجباريّة الّتي يرسمها  "احتباسنا" في غالبيّة الأحيان ، شيء آخر .أعتقد  أنّ سمة  الأفقيّة في العلاقات الإنسانيّة هي الّتي تجعل الإنسان حرّا حين تعتقه من الانحباس داخل فكرة  "الفوق و التّحت" وذلك ما يجعلها أكثر ثراء و خصوبة،  فالرؤية ضمن العلاقة الأفقيّة ، تكون أكثر اتّساعا و شسوعا من الرّؤية داخل المسافة العموديّة المزعومة و الضّيقة التّي تفصلنا عن بعضنا البعض عندما تندرج العلاقة في نسقها العموديّ و التّفاضليّ و هذا بغضّ النّظر عن "حجم" النّاس لأنّ هؤلاء النّاس ليسوا أكياسا  مغلقة تتدلّى في الفضاء ثمّ تنزل من حين إلى آخر إلى الأرض، هم بشر أوّلا ولكنّهم أيضا جزء من هذ العالم  المدهش دهشة نحن شركاء  في صنعها  بحواسّنا و أفكارنا و ليس بانبهارنا الميّت . من المؤكّد ، من زاوية انطباعيّة على الأقلّ ، أن هناك من يبدو ( أو من هو فعلا) "أثرى" من الآخر ،  "أكثر" تجربة ،  "أكثر" معرفة  ، و لكنّ هذا الثّراء و هذه التّجربة و هذه المعرفة وكلّ هذه الصّفات  ليست الشّخص ذاته ، هو يحملها و لكنّها ليست هو. إنّها مكتسبات ، عبر التّجربة الإنسانيّة في معناها الجمعي و الكوني. لا أسعى هنا إلى تجريد الأشخاص الأثرياء في تجاربهم و معارفهم من صفاتهم ، بل  إلى أن أغيّر زاوية النّظر إليهم: إنّهم موازون لصفاتهم ، هم ليسوا لا أكبر و لا أصغر ، لا متواضعين و لا متكبّرين ، هم أصدقاء الخصوبة  الإنسانيّة العامةّ ،هم أصدقاء الوجود الفسيح و محاربو  القحط ذلك العدوّ الانسانيّ المشترك. وعلاقتنا معهم أو بالأحرى مع  إنتاجاتهم و إبداعاتهم تندرج على الأرجح وفق هذه الزّاوية . باختصار ، نحن كلّنا عوالم مفتوحة على بعضها البعض. النّافذة تفتح على الأفق، و الأفق يفتح على النّافذة حتّى و إن كانت مغلقة، الجرح الصّغير في الإصبع يفتح على الهواء المطلق، ليست المسألة مسألة حجم،  فالنّافذة ندّ للأفق لأنّهما  مفتوحان على بعضهما البعض.

    أنا أفضّل ، في حالة الإجبار القصوى على الوصف (و هنا عليّ أن أبتسم قليلا) نعوتا مفتوحة ، أفقيّة لا تضعنا في ميزان تفاضليّ مباشر ، نعوتا مثل :  كريم ، خصب ، ثريّ .. هذه النّعوت تلامس الشّخص دون أن تلتصق به ، كما أنّها لا تحتوي على التباسات نرجسيّة...فعندما أقول فلان كريم مثلا، أستطيع أن أقول في سرّي: مثلي ، كريم مثلي.. كما أستطيع ألّا أقول "مثلي" دون أن يتغيّر المعنى ، فصفة الكرم ، صفة حرّة توجد خارج موصوفها و تكاد تكون مشاعة، كما يمكن ألّا يكون ذلك الفلان في لحظة كرم أو في حالة كرم حينها، فلا يغيّر ذلك أيضا شيئا كبيرا لأنّني و بكلّ بساطة أستطيع أن أدير جوعي و عطشي للمعرفة إلى أماكن أخرى  مفتوحة من العالم، إلى أماكن أخرى في حالة كرم، يكفي أن أفتح عينيّ بالقدر الكافي . أمّا عندما أقول فلان متواضع ، حتّى و إن ردّدت في سرّي : "مثلي، متواضع مثلي" ، فإنّ ذلك يغلق أفق التّواصل ويجعل العلاقة تراتبيّة وميّتة و يضعنا ، إمّا أنا وحدي ، أو الآخرون باستثنائي أنا و فلان ، في مرتبة دونيّة.  

قد أكون أطنبت في الحديث عن تفصيلة بسيطة ربّما لا تستدعي اهتماما كبيرا ففي أحيان كثيرة،عادة  ما ننعت شخصا ما بالتّواضع على سبيل المجاملة أو الشّكر او الامتنان ، ولكن  حين ينحصر اهتمامنا  في هذه الصّفة  و حين يتكرّر دائما و أبدا و بنفس  الطّريقة مع أشخاص نعتبرهم مهمّين و مثرين لنا ، يصبح ذلك مدعاة للقلق ، وكأنّ المتلقّي قد انسحب تماما من السّاحة و أصبح موجودا بالوكالة، وكالة المتواضعين  من كلّ مكان... ففي كلّ مرّة ينتهي فيها لقاء مع شخصيّة معروفة سواء كانت كاتبا   أو جامعيّا  أو شخصيّة سياسيّة  ، أرى من مكاني  ، الكثير من المهتمّين بالشّأن الثّقافي أو السّياسي، يجتمعون فيما بينهم ، ينظرون إلى بعضهم البعض في  ظفر، ثمّ ينطقون في نفس الوقت ، في دهشة  وانتشاء ، بتلك الكلمة السريّة : ياله من شخص متواضع .. أمّا هواجس أسئلة الوجود ، أمّا مطبّات الحوار  ،أمّا تلك المغامرة ، أمّا ما يمكن يكون قد تسرّب إلينا من أوهام أو مغالطات ، عن قصد أو غير قصد ،  فأشياء غير مهمّة  ما دام ذلك الشّخص ، تماما مثلما حدسنا منذ البداية و ياللعبقريّة ، متواضع ، متواضع جدّا .. 

السبت، 7 أبريل 2012

العاطل عن العمل

الشّغل من أجل تكديس ثروات الآخرين ، تلك هي الإهانة الكبرى

العاطل عن العمل لا يهمّه أن تتعطّل دورة الاقتصاد لأنّه خارجها أصلا ، و لأنّ تهاوي الاقتصاد بالنّسبة له ( كما بالنّسبة لي ) يعني تهاوي أصحاب رؤوس الأموال المتكرّشين الّذين لا يريدون تحمّل المسؤوليّة بل يريدون الحفاظ على نفس المقدار من الرّبح ، فلتدهب الدّورة الاقتصاديّة إلى الجحيم و ليسقط الاقتصاد و لتدمّر الرّأسماليّة .. تفيه

الأحد، 1 أبريل 2012

بورتريه 2

ـ باللّه ؟؟
هكذا سألني ذلك الرّجل الضّخم الّذي صعد للتوّ المترو المزدحم  و اتّخذ مكانه بحذوي تماما ، وقوفا ، وحين تجاهلته أصرّ على سؤاله بوعيد و حدّة :
ـ باللّه باللّهْ ( بلّاهي بلّهْ ) ؟؟؟
 لم يكن يبدو في هيئته هوس أو نزق واضحان ، سوى أنّ  نظراته  لي أنا بالذّات و لسبب أجهله مريبة قليلا..
ـ خويا سامحني ، تكلّم فيّا ؟؟
(ـ مالا في شكون ؟؟ ( بحدّة
ـ سافا تحبّ حاجة؟؟
ـ بشويّة توّة نورّيك آش تحبّ ( يفرك يديه ثمّ أصابعه و كأنّه يستعدّ لمباراة ملاكمة) ، ماكش عارف روحك شعملت ؟؟؟ (بدهشة)
ـ صلّي ع النّبي يا راجل ، شعندي عمتلك ؟
(ـ متأكّد ؟؟؟ (بدهشة أشدّ
(ـ بالطّبع متأكّد ( بتوتّر
يصمت ، يعود كي يفرك أصابعه ، لا أبرح مكاني و أنا أكابر الخوف و التّوتّر و الدّهشة من هذه الكائنات الغريبة الّتي لا تنزل من السّماء إلّا  لي أنا بالذّات و لا لأحد سواي  كما يعبّر عن  ذلك أحد الأصدقاء..
أنزل من المترو عند وصولي إلى المحطّة ، فينزل في إثري ، أتجاهله فيوقفني.. .
ـ علاش تمسّ فيّ سي زبّي ؟؟؟
..ـ خويا ثبّت روحك بلكش غالط
.ـ يزّي بلا وبنة  لا نلعج عليك
ـ خويا تكلّم في شخص محترم راك ، طبيب راني مانيش لمّاس عباد .. (لا أعرف لأيّ سبب قلت ذلك ، غباء فجئيّ ؟ نمطيّة فجئيّة ؟ خوف ؟ قلّة حيلة؟  رغبة في التّأثير المعنويّ عليه ب"سلطة" ما كي يخلي سبيلي؟ فقدان التّركيز من شدّة التّعب منذ الصباح ؟ أم  كلّ ذلك في آن واحد...
ـ طبيب و لّا نيك أمّك ، كان إنت طبيب أنا بوليس ، روّح نيّك يا خنثاوي ، روّح يا ميبون ، روّح  لا نطيّرك (يرفع يديه و هو يهمّ بلكمي) استغفر الله و كان ماجيتش نخاف ربّي إلّا ما نهدّلك ربّ فمّك يا حاوي.. روّح نيّك 

الحلّ الوحيد كان الرّكض بطبيعة الحال ، ... و لكنّ الشيء المثير للغرابة هو أنّ ذلك الرّجل ظلّ يركض خلفي طالبا جلدي حتّى اختفيت عنه داخل الحيّ .. تأكّدت حينها أنّه لم يكن يمزح بل جدّيّا تماما في هذيانه  ...   

أذكر الآن أنّه كان شخصا طويل القامة ، نظيف الهندام ، عريض المنكعين ، يتوسّط أحد أصابعه خاتم ضخم جدّا ، حادّ النّظرة،    يدير لسانه جيئة و ذهابا في حركة تذكّر في تلك الّتي يقوم بها آل  بتشينو و هو يلعب دور الشّيطان في فيلم "شريك الشّيطان".. لا يبدو مختلّا  نفسيّا واضحا ، كان  شخصا "عاديّا" تقريبا ، لا يسيل لعابه من فمه ، لا يعرج ، لا يصيح ، لا يلكن ، إلّا أنّه يفرك خصيتيه باستمرار ، ماذا كان يريد ؟ لم أعرف ، بوليس ؟ لا أظنّ ، مأجور ؟ لا أظنّ كذلك ، معتوه ؟ ممكن ، بارانوياك ؟؟ ممكن جدّا.. لكن ما الّذي بعث به إلى طريقي، لم أعرف أيضا ، كلّ ما عرفته هو أنّه ،عليّ و من الآن فصاعدا، و بجدّية ، ودون تقاعس ،أن أحمل كيسا صغيرا من الرّمل داخل جيبي

الاثنين، 13 فبراير 2012

بورتريه

رجل في السّتين أو يزيد من عمره , نحيف , متوسّط الطّول , التقوّس الطّفيف في ظهره  يجعل  كتفيه بارزين قليلا , يلبس معطفا طويلا من القماش  , يمشي بحذر بين زبائن المقهى مثل شبح , يمسح بعناية فائقة الطّاولة الّتي سيضع عليها الطّعام  لاحقا و كأنّه يداعب جسد امرأة , يأتي بصحن فيه طعام , يضعه على الطّاولة .. , يضرب بعصبيّة على الطّاولة بكلتا يديه , يكفر, يزعق, يتّجه نحوي فجأة ثمّ يعود إلى طاولته في سرعة خاطفة , يداه لا تكفّان عن  الحركة , عيناه متوتّرتان , متوجّس , لا يكاد يبدأ في الأكل حتّى  ينقطع عنه , يمشي نحوي مرّة أخرى , ينظر إليّ , يمدّ يده نحو علبة سجائري , يخرج سيجارة , يشيح بنظره إلى الطّاولة الّتي على يميني حيث يجلس بعض الزّبائن , يغمز لي , يبدأ في الحديث و كأنّه على خشبة مسرح : التوّنسي عندما يدخّن يفعل هكذا ( و يرفع يديه بحيث يرى الجميع السّيجارة الّتي في يده) , التّونسي عندما يأكل يفعل هكذا ,و يرفع صحن الطّعام إلى الأعلى حتّى يراه الجميع .. يقرّر أن يجالسني , يجالسني دون أن أمانع , يبدأ في الزّعيق  ثانية , يضرب على طاولتي بعصبيّة فائقة  , يقوم فجأة باتّجاه أحد المتسوّلين الدّاخل لتوّه إلى المقهى , يشتمه يكاد يلكمه ثمّ يطرده .. يعود لمجالستي .. أطلب منه أن يهدّئ من روعه ... يتجاهلني .. يقول إنّه يريد أن يضرم النّار في جميع التّونسيّين و إنّه يحقد عليهم و إنّهم مثل كلّ العرب ساقطون و  متحيّلون و أنذال و لئيمون و جرذان و لا يساوون فلسا على عكس "القورّة " المتخلقين و الأذكياء  ...  يشتم صاحب المقهى تحديدا لأنّه طلب منه مقابل الطّعام فيما هو يعرف  أنّه  من المحتاجين .. يخبرني أنّه يحبّ أم كلثوم أكثر من أمّه و أنّ أمّه لم تكن يوما كوكب الشّرق .. يثني على ابن خلدون في قوله "بنفاق أهل إفريقيّة" ,يعرّفني بنفسه قائلا  إنّه رجل  يفهم النّاس وفق علم الاجتماع و علم النّفس و الأعصاب و الفلسفة  و البيوكيميا و الهندسة و علم المعمار .. أبتسم و أطلب منه  أن يهدّئ من روعه وأن يستمتع يالأكل عوض أن ينشغل بما يوتّره ... ينهرني  ويصيح في وجهي بزعيق و شتيمة  طالبا منّي الصّمت و الاستماع إليه دون مقاطعته ... يقول إنّه رجل عظيم و إنّه لا يحبّ الاستماع إلّا إلى  العظماء و لذلك عليّ أن أصمت و أكتفي بالإنصات , أحاول تهدئته مرّة أخرى فيأبى , أبتسم و أهم بالخروج متمنّيا له يوما طيّبا ... يسألني عن إسمي و مسقط رأسي ... أجيبه .. يقول إنّ تسعين بالمائة من سكّان مسقط رأسي مغفّلون و متحجّرو العقول و إنّني – و لسبب أجهله – أنتمي إلى العشرة بالمائة  المتبقية  من  "الأذكياء " ... أبتسم حتّى الضحك  .. لا أنبس بحرف واحد , أغادر و أنا  أحسّ للوهلة الأولى  بالغيظ و الشّفقة , ثمّ , سريعا , بالخوف , متسائلا  عن مقدار  العبث الّذي يمكن أن تحمله الحياة كي تصنع بالنّاس ما تصنعه , هؤلاء النّاس الّذين كانوا ,جميعم , يوما ما أطفالا تماما مثلما كنت - أو ربّما  أتوهّم أنّني لا أزال - طفلا ...        

الأربعاء، 1 فبراير 2012

مجرّد تكريز


السّؤال هو الآتي : هل أنّ الأعراف و "القيم" الاجتماعيّة السّائدة تبلغ من القوّة و الرّسوخ ما يجعلها قادرة على محو الفارق - على مستوى السّلوك -  بين من هو مؤمن بها  و متماه معها و نسمّيه مجازا "العامي" و بين من يدّعي نقدها بغية تغييرها و نسمّيه مجازا  "المثقّف" ؟  يحتدّ هذا السّؤال في ذهني كلّما لاحظت ، داخل الأوساط الثّقافيّة  تحديدا ، تفاقم ذلك الشّرخ الصّارخ  بين الأفكار المدّعى تبنّيها و السلوك الفعلي و كأنّ المثقّف هو شخص "نخبويّ" الفكر "عاميّ" السّلوك  ، فالمطالبة بالعدالة الاجتماعيّة مثلا في النّصوص أو الاجتماعات  يقابله في الواقع تمجيد لصاحب رأس المال و احتقار لفاقده  ، انتقاد النّظام السّلطوي   يقابله رغبة جامحة في نفس هذه السّلطة ، الحديث عن المساواة بين الجنسين يقابله ميزوجينيا كريهة و مفاخرة بالذّكورة و المغامرات الجنسيّة و نعت النّساء المتحرّرات جنسيّا بأحقر النّعوت ، التّنديد بالعنصريّة و التّمييز يقابله تصنيف للنّاس وفق الجهات الّتي ينتمون إليها ، الدّفاع  عن الغيريّة والاختلاف يقابله نرجسيّة  و تضخّم مريب للذّات ، المناداة بالحوار و التّلاقح الفكري يقابله عنف و نزق يبلغان حدّ السّاديّة ، انتقاد النّمطيّة و القوالب الجاهزة  يقابله الحكم المسبّق ..إلخ.. ممّا يجعلك تشكّ فعلا في أنّ هؤلاء الّذين يدّعون الانتماء إلى  قيم مغايرة  لتلك السّائدة هم في الحقيقة إمّا يبحثون عن نوع من المفاخرة بهذه الأفكار "السّاحرة" و "المغرية"  و المتاجرة بها داخل "السّوق" الثّقافيّة من أجل الحصول على  سلطة معنويّة وبرستيج  وشبكة علاقات  و إمّا  "يحسدون" أصحاب النّفوذ و السّلطة و يسعون إلى  الحصول على حصّتهم داخل نفس النّظام   و بالتّالي يعيدون إنتاجه  ككرة الثّلج  ...هل هو المخيال البشري الحامل  لقيم و رؤى إنسانيّة نبيلة عاجز أمام واقع معقّد و فجّ   أم أنّ الحياة  بطبيعتها ليست سوى صراع من أجل البقاء مهما غُلّف ذلك بالثّقافة أو الفلسفة أو الاديولوجيا أو حتّى الفنّ ؟؟  أم هو شيء آخر ذلك الّذي يجعل من كلّ الّذين يقاومون هذه السكيزوفرينيا الاجتماعيّة  أوّل المعزولين و المهمّشين و الغرباء ؟؟؟؟